تفسير قوله صم بكم عمي فهم لا يرجعون، على المؤمن الصالح أن يتأمل كتاب الله، وأن يقرأ منه بقلبه، وعلقه، ذلك أن المتعة الحقيقية، لا تكون من خلال قراءة القرآن مثل الجرائد أو الكتب الورقية، بل هو التمعن والإيمان أن هذه الكلمات هي أعظم الكلمات في الوجود، لأنه كلام الله الذي أنزل على سيدنا محمد عليه السلام، وعليه يجب أن يكون هناك احترام وتقديس لهذا القرآن، ابتداءً بالقراءة، وانتهاءً بالعمل، والإيمان بأن كل كلمة في القرآن الكريم، هي دلالة من الله، من أجل أن يحسن حياة البشر وينقلهم من الضلالة إلى النور.
صم بكم عمي فهم لا يرجعون
تفسير قوله صم بكم عمي فهم لا يرجعون، على حسب التفسير في الميسر، فإن تفسير الآية الكريمة، ( صم بكم عمي فهم لا يرجعون) هي دلالة أن القوم صم عن سماع الحق، وعن التدبر في كلام الله، وهم بكم لا ينطقون، وعمي لا يبصرون عن نور الهداية ومعرفة طريق الحق، لذلك هم لا يستطيعون الرجوع إلى الإيمان الذي تركوه سابقا، واستعانوا بالشيطان الذي بلا أدنى شك سوف يقودهم إلى طريق النار وإلى طريق الضلال.
تفسير صم بكم عمي للإمام القرطبي
تفسير قوله صم بكم عمي فهم لا يرجعون، قام الإمام القرطبي صاحب كتاب التفسير المعروف والمشهور، والذي يعرف باسم “الجامع لأحكام القرآن” بتفسير الآية رقم ١٨ من سورة البقرة وهي، (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)، حيث أنه من المعروف أن الإمام القرطبي قد سعى من أجل تفسير جميع سور القرآن الكريم، وعمل على تفسير أحكام السنّة النبويّة الشريفة بشكل دقيق، وفي قول الله تعالى صمٌّ بكمٌ عميٌ، جاءت صم لتعني أنهم صم عن الكلام، وهو خبر ابتداء مضمر.
- على حسب قراءة حفصة وقراءة عبدالله بن مسعود، صمًّا بكمًا عميًا، فالنصب هنا يجوز في حالة الذّم، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم (ملعونين أينما تقفوا) الآية رقم ٦١ من سورة الأحزاب، وكذلك في قوله تعالى (وامرأته حمالة الحطب) الآية رقم ٤ من سورة المسد، وأيضا في بيت الشعر (سقوني الخمر ثم تكنفوني … عُداه الله من كذب وزور)، فعداه الله قد تم نصبها على الذّم، ومن أجل ذلك فيعتبر الوقف على كلمة “يبصرون” صواب حسن إذا ما اتّبعنا هذا المذهب.
- كما يجوز أيضًا أن يتم نصب كلمة صمًّا بتركهم، فتكون على النحو الآتي: (وتركهم صمًّا بكمًا عميًا).
- أما الوقف على كلمة “يبصرون” بناء على هذا المذهب فلا يجوز ولا يحسن له.
صم بكم عمي فهم لا يبصرون
تفسير قوله صم بكم عمي فهم لا يرجعون، يمكن تفسير (صم بكم عمي فهم لا يبصرون) عند كلام العرب، فالمعنى الدال على الصمم يعني الانسداد، فيقال: قناة صماء اذا لم تكن مجوفة، والقارورة صممت إذا سددتها، فدلالة الكلمة لمعنى أصم هو من انسدّت لديه كل خروق سمعه، بينما الأبكم هو الشخص الذي لا يكلم وليس لديه قدرة كافية على الاستيعاب أو الوعي أو فهم الكافي للحياة، بينما الأخرس فهو الشخص الذي يفهم كل ما يدار حوله.
- أيضا يقال إن الشخص الأبكم وكذلك الشخص الأخرس هما شخص واحد، وقد يقال: شاب أبكم وبكيم، وتعني أنه شخص أخرس وهذا وسيط يكون ما بين البكم والخرس، مثال على ذلك ما قاله الشاعر: (فليت لساني كان نصفان منهما … بكيم ونصف عند مجرى الكواكب).
- أما العمى: هو يعني فقدان حاسة البصر، وهناك آيات ذكرت كلمة عمى مثل قوله تعالى في كتابه الحكيم (فعميت عليهم الأنباء يومئذٍ) رقم ٦٦ سورة القصص.
- كذلك لا يقصد مما سبق أننا سوف ننفي جميع الحواس الموجودة في الإنسان ونعني عدم إدراكهم، ولكن الهدف الأساسي من ذلك هو نفيها من جهة معينة، حيث قال قتادة إن كلمة صم: هي دلالة على سماع الحق، وكذلك كلمة بكم: فهي تدل على التحدّث عنه، بينما كلمة عمي: فهي علامة على الأبصار له.
تفسير قوله صم بكم عمي فهم لا يرجعون، بالمجمع لقد قد كان هذا التفسير هو التفسير المشابه لما كان يقصده الرسول عليه الصلاة والسلام، عندما شبّه ولاة نهاية الزمان في حديث سيدنا جبريل عليه السلام (وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها) هذا والله أعلم، أما تفسير لقوله سبحانه وتعالى “فهم لا يبصرون”، فهذا يعني أي الإنسان أنهم أناس لا يرون طريق الحق، فالله أعلم بهم مما سبق.