حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، من القضايا الخلافية التي تلقي بظلالها كل عام قضية تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد. اختلف الفقهاء المعاصرون في حكمهم الفقهي لصالح تهنئتهم ومعارضة ذلك، وكل من المجموعتين تعتمد على مجموعة من الأدلة. وسنقوم خلال الأسطر القادمة من المقالة بالإجابة على حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، ونقوم بشرح هذه الفكرة شرحا تفصيليا واضحا، تابعونا للتعرف على المزيد حول الموضوع.
حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد
أولا: رأي من امتنع عن تهنئة النصارى بأعياد ميلادهم، عيد ميلادهم، وهو قول ابن تيمية وابن القيم قديما، ومن المعاصرين ابن بزوبان وابن عثيمين وغيرهم.
- يعتبرون أن التهنئة بأعيادهم الدينية ممنوعة لأن هذه الأعياد من شعائرهم الدينية، ولا يرضى الله بعباده الكفر، كما أن التهنئة بهم من التشبه بهم والنهي عنه.
- وكذلك يعتقدون بوجوب التهرب من أعياد الكفار، وتجنب رضائهم في أعمالهم، وعدم إهدائهم أو إعانتهم في إجازتهم بالبيع أو الشراء، وعدم إعانة المسلم المقلد به معهم.
- في عيدهم لما يشبهه، وعدم تهنئتهم بالعيد، وتجنب استخدام أسمائهم التعبدية وشروطها.
- وهذا مجموع ما يعتمدون عليه، وقد نقلوا نصوصا مطولة من كلام الإمامين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى.
المجيزون لتهنئة النصارى في عيدهم
كثير من المعاصرين يرون أن ذلك جائز ومنهم الدكتور يوسف القرضاوي.
- لأنه يعتقد أن التغيير في الأوضاع العالمية هو ما جعلني أعارض شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة المسيحيين وغيرهم بأعيادهم، وأسمح بذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، خاصة لمن لهم علاقة خاصة.
- بينه وبين المسلم مثل الأقارب والجيران في المنزل، والزملاء في الدراسة، والزملاء في العمل ونحو ذلك، ومن البر لم يمنعنا الله، بل يحبه كما يحب الاقساط إليهم إن الله يحب المقسطين.
- كما أذن المجلس الأوروبي للبحوث والفتوى بهذه التهنئة، خاصة إذا لم يكونوا مقاتلين، وخصوصية وضع المسلمين كأقلية في الغرب.
- وبعد الإطلاع على الأدلة خلص المجلس إلى ما يلي: لا يوجد إذن على المسلم أو المركز الإسلامي أن يهنئهم شفهيا أو ببطاقات لا تحتوي على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام، مثل (الصليب)، لأن الإسلام ينفي الفكرة ذاتها الصليب، حيث قال تعالة: “وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم”.
- وعبارات التهنئة المعتادة في مثل هذه المناسبات لا تشمل أي اعتراف بدينهم أو رضائهم عن ذلك، بل هي كلمات مجاملة يعرفها الناس، ولا مانع من قبول الهدايا منهم ومكافأتها عليهم.
- قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدايا من غير المسلمين مثل المقوقس والقبطي العظيم في مصر وغيرها بشرط ألا تكون هذه الهدايا ممنوعة على المسلمين مثل الخمر ولحم الخنزير.
متى كتب الله المقادير مع الدليل
التهنئة لا تعني الرضى بما هم عليه
لابد من توضيح مفهوم بالغ الأهمية وهو أن التهنئة لا تعني اعتناق إيمانهم أو قبول ما يفعلونه أو الدخول في دينهم، بل هو نوع من الاستقامة والله تعالى لم يمنعنا من ذلك.
- قال تعالى في كتابه العزيز: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخروجوكم من ديارهم إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”. سورة الممتحنة.
- هناك فرق كبير بين الود والصلاح، وبين اتخاذهم أولياء، ومجرد التعايش السلمي على أسس ومعاهدات منضبطة لم تقمع طرفا واحدا، والغرض منها التعايش السلمي كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وسلمه مع اليهود.
دعاء يوم عاشوراء عند أهل السنة والجماعة
التفريق بين أعيادهم الدينية وغير الدينية
يجب التمييز بين الأعياد الدينية التي تمثل معتقداتهم، والأعياد الوطنية، فيكون الاختلاف فيها بين ما هو ديني من أصل دينهم أو ما خلقوه فيه.
- وكثير من أعيادهم ليست سوى العادات والمناسبات التي خلقوا لها الأعياد كالأعياد الوطنية وما شابه ذلك.
- عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية وفي فتوى المجلس الأوروبي للبحوث والفتوى لا ترى بأس في التهنئة والمشاركة في الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال والوحدة والطفولة والأمومة وما شابه ذلك.
- فلا يوجد حرج على المسلم أن يهنئها، بل يشارك فيها كمواطن أو يقيم في هذه الأراضي بشرط أن يجتنب المحظورات التي تحدث في تلك المناسبات.
- كأن هناك اتفاق على أن ما قام على غير ديني فلا مانع من التهنئة ولكن وفق الضوابط الشرعية، لا نأكل ولا نشرب مما يحرم في ديننا فلا نختلط بما ترفضه شريعتنا، ولا نهدر ملابسنا التي تستر عورنا.
التفرقة بين الحكم الفقهي والفتوى
لا بد من التفريق بين الحكم الفقهي والفتوى، فالحكم الفقهي هو الثابت الذي لا يقبل التغيير أو التغيير، كالأحكام التي هي حجة ودلالة قطعية، ومنهم من يقبل التغيير وليس ثابتا، وهذا يجوز الاجتهاد به لا عليه في إطاره، ولا يصطدم به من الخارج مادام الحكم متغيرا، وما دامت الشريعة مرنة ومناسبة لكل زمان ومكان، فلا مانع من تغيير الفتوى.
- يجب دراسة ملابسات فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فحقبتة كانت مليئة بالحروب، وأي تهاون معناه الرضا بالمحتل، ومن ثم لا بد من اختيار فقيه، الذي يحفظ للناس تماسكهم أمام هذا المغتصب.
- نجد في التشريع الإسلامي أن النبي صلى الله عليه وسلم يختار رأيا فقهيا معينا لحاجة يراها ثم يفضل العكس؛ لأن التعليم كامل، والعقول مفهومة، والأرواح تقبل الدين من الله رب العالمين، ومن ذلك زيارة القبور، منعهم الناس ثم أجازوهم، وكثيرا ما نقرأ لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية.
- الفتوى متغيرة ونحن بصدد فتوى فقهية قد تكون مناسبة لعصرنا لكنها لا تصلح لغيرنا وهذا المدخل هو الذي جعل العالم القرضاوي يخالف ابن تيمية رحمه الله عليه، فقال: إن تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية حقيقة يتطلبها عام التنمية، وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة في حالة واحدة، فهي تغير وتغير نظرة الناس إليها.
- مع مراعاة الظروف العالمية المتغيرة، وهو الذي جعلني أعارض شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه تهنئة المسيحيين وغيرهم بأعيادهم، وهذا جائز إذا كانوا مسالمين للمسلمين، لا سيما من لهم علاقة خاصة بينه وبين المسلم، كالأقارب والجيران في المنزل، والزملاء في الدراسة، والرفاق في العمل ومن في حكمهم، ومن البر لم يمنعنا الله لكنه يحبه كما يحب الاقساط لهم.
تغير المسألة من باب الفتوى
المسألة فتوى وتتغير كما هو معلوم عند جميع علماء الفقه.
- الفتوى متغيرة ونحن بصدد فتوى فقهية قد تكون مناسبة لعصرنا لكنها لا تصلح لغيرنا وهذا المدخل هو الذي جعل العالم القرضاوي يخالف ابن تيمية رحمه الله عليه، فقال: إن تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية حقيقة يتطلبها عام التنمية، وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة في حالة واحدة، فهي تغير وتغير نظرة الناس إليها.
- في ضوء ما تقدم، لا يجد العلماء حرجا من التهنئة خصوصا لزملاء العمل أو الجيران أو من تربطهم صلات خاصة كالتزاوج، على أن تكون لا تحمل معنى أو رمزا دينيا، أو الموافقة على شيء من دينهم، أو قوانينهم المحظورة علينا كما في بعض الأطعمة والمشروبات.
قدمنا خلال الأسطر التي سبقت من المقالة حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، وقمنا بعرض الآراء التي تتعلق بالموضوع، وشرحناها شرحا تفصيليا وافيا وذلك بقصد المهتمين، ونرجو الله أن ينفعنا بذلك.